فصل: ومن باب من رأى من لم يكن له مال لم يستسع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم السنن



.ومن باب العتق على شرط:

قال أبو داود: حدثنا مسدد حدثنا عبد الوارث عن سعيد بن جهمان عن سفينة قال: «كنت مملوكًا لأم سلمة فقالت أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت فقال إن لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت فأعتقتني واشترطت عليَّ».
قال الشيخ: هذا وعد عبر عنه باسم الشرط، وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق لأنه شرط لا يلاقي ملكًا ومنافع الحر لا يملكها غيره إلاّ بإجازة أو ما في معناها.
وقد اختلفوا في هذا فكان ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا، وسئل أحمد بن حنبل عنه، فقال يشتري هذه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له قيل له تشترى بالدراهم قال نعم.

.ومن باب من أعتق نصيبًا له من مملوك:

قال أبو داود: حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا همام قال: وحدثنا محمد بن كثير المعنى أنبأنا همام عن قتادة، عَن أبي المليح، قال أبو الوليد عن أبيه «أن رجلًا أعتق شقصًا من غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ليس لله شريك، زاد ابن كثير في حديثه فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه».
قال الشيخ: فيه دليل على أن المملوك يعتق كله إذا أعتق الشقص منه ولا يتوقف على عتق الشريك الآخر وأداء القيمة ولا على الاستسعاء، ألا تراه يقول فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وقال ليس لله شريك فنفى أن يقارّ الملك العتق وأن يجتمعا في شخص واحد، وهذا إذا كان المعتق موسرًا فإذا كان معسرًا فإن الحكم بخلاف ذلك على ما ورد بيانه في السنة وسيجيء ذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب ابن أبي ليلى وابن شبرمة وسفيان الثوري والشافعي في أظهر قوليه إلى أن العتق إذا وقع من أحد الشريكين في شقصه وكان موسرًا سرى في كله وعتق العبد ثم غرم المعتق لشريكه قيمة نصفه ويكون الولاء كله للمعتق.
وقال مالك بن أنس نصيب الشريك لا يعتق حتى يقوم العبد على المعتق ويؤمر بأداء حصته من القيمة إليه فإذا أداها عتق العبد كله، وهو أحد قولي الشافعي القديم وهذا القول مبني على النظر للشريك والقول الأول مبني على النظر للعبد.
ويحكى عن الشافعي فيه قول ثالث وهو أن يكون العتق موقوفًا على الأداء وهذا مبني على النظر للشريك والعبد معًا.
وقال أبو حنيفة إذا أعتق أحد الشريكين نصيبه وهو موسر فشريكه الذي لم يعتق بالخيار إن شاء أعتق كما أعتق وكان الولاء بينهما نصفين، وإن شاء استسعى العبد في نصف قيمته ورجع شريكه بما ضمن على العبد فاستسعاه فيه فإذا أداه عتق وكان الولاء كله للمعتق. وخالفه أصحابه وقالوا بمثل قول الثوري وسائر أهل العلم.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن كثير أنبأنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عَن أبي هريرة «أن رجلًا أعتق شقصًا من غلام فأجاز النبي صلى الله عليه وسلم عتقه وغرمه بقية ثمنه».
قال الشيخ: وهذا يبين لك أن العتق قد كمل له بإعتاق الشريك الأول نصيبه منه فلولا أنه قد استهلكه لم يكن لقوله وغرمه بقية ثمنه معنى لأن الغرم إنما يقع في الشيء المستهلك.
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك، عَن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أعتق شقصًا في مملوك فعليه أن يعتقه كله إن كان له مال وإلا استسعى العبد غير مشقوق عليه».
قال الشيخ: هذا الكلام لا يثبته أكثر أهل النقل مسندًا عن النبي صلى الله عليه وسلم ويزعمون أنه من كلام قتادة.
وأخبرني الحسن بن يحيى عن ابن المنذر فقال هذا الكلام من فتيا قتادة ليس من متن الحديث.
قال: وحدثنا علي بن الحسين حدثنا المقري حدثنا همام عن عمارة عن النضر بن أنس عن رجل، عَن أبي هريرة «أن رجلًا أعتق شريكًا له في مملوك فغرمه النبي صلى الله عليه وسلم بقية ثمنه».
وكان قتادة يقول إن لم يكن له مال استسعى قال ابن المنذر وقد أخبر همام أن ذكر السعاية من قول قتادة، قال وألحق سعيد بن أبي عروبة الذي ميزه همام من قول قتادة فجعله متصلًا بالحديث.
قلت: وقد تأول بعض الناس فقال معنى السعاية أن يُستسعى العبد لسيده أي يستخدم ولذلك قال غير مشقوق عليه أي لا يحمل فوق ما يلزمه من الخدمة بقدر ما فيه من الرق لا يطالب بأكثر منه.
قال أبو داود: حدثنا على بن عبد الله حدثنا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نَهيك، عَن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شِقصًا أو شقيصًا له في مملوك فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال قوم العبد قيمة عدل ثم استُسعي لصاحبه في قيمته غير مشقوق عليه».
قال أبو داود ورواه يحيى بن سعيد وابن أبي عدي عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكرا فيه السعاية. ورواه يزيد بن زريع عن سعيد فذكر فيه السعاية. وقال محمد بن إسماعيل ورواه شعبة عن قتادة فلم يذكر السعاية.
قال الشيخ: اضطراب سعيد بن أبي عروبة في السعاية مرة يذكرها ومرة لا يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده وإنما هو من كلام قتادة وتفسيره على ما ذكره همام وبينه.
ويدل على صحة ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه وقد ذكره أبو داود في هذا الباب الذي يليه.

.ومن باب من رأى من لم يكن له مال لم يستسع:

قال أبو داود: حدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعتق شقصًا له في مملوك أقيم عليه قيمة العدل فأعطى شركاؤه حصصهم وأعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق».
قال الشيخ: قوله: «وإلا فقد عتق عليه ما عتق» يدل على أنه لا عاقبة وراء ذلك، وفيه سقوط السعاية وهو أثبت شيء روي من الحديث في هذا الباب.
قال أبو داود قال أيوب وروي هذا الحديث عن نافع فقال كان نافع ربما قال فقد عتق منه ما عتق وربما لم يقله.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا سفيان عن عمر وعن سالم عن أبيه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسرًا يقوم عليه قيمة لا وَكس ولا شطط ثم يعتق».
قال الشيخ في قوله: «ثم يعتق» حجة لمن ذهب إلى أن العتق لا يقع بنفس الكلام ولكنه بعد التقويم والأداء، وهو قول مالك بن أنس وربيعة بن عبد الرحمن.
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن خالد، عَن أبي بشر العنبري، عَن أبي التَّلِب عن أبيه «أن رجلًا أعتق نصيبًا له في مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وسلم».
قال الشيخ: هذا غير مخالف للأحاديث المتقدمة وذلك لأنه إذا كان معسرًا لم يضمن وبقي الشقص مملوكًا كما كان.

.ومن باب من ملك ذا رحم محرم:

قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: حَدَّثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن سمرة فيما يحسب حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر».
قال أبو داود لم يحدث هذا الحديث إلاّ حماد بن سلمة وقد شك فيه.
قال أبو داود: قال: وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن قتادة عن جابر بن زيد والحسن مثله.
قال أبو داود: وشعبة أحفظ من حماد بن سلمة.
قال الشيخ: قلت الذي أراد أبو داود من هذا أن الحديث ليس بمرفوع أو ليس بمتصل إنما هو عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد اختلف الناس في هذا فذهب أكثر أهل العلم إلى أنه إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه، روي ذلك عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة وهو قول الحسن وجابر بن زيد وعطاء والشعبي والزبير والحكم وحماد وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وسفيان وأحمد وإسحاق.
وقال مالك بن أنس يعتق عليه الولد والوالد والإخوة ولا يعتق عليه غيرهم.
وقال الشافعي لا يعتق عليه إلاّ أولاده وآباؤه وأمهاته ولا يعتق عليه إخوته ولا أحد من ذوي قرابته ولحمته.
وأما ذوو المحارم من الرضاعة فإنهم لا يعتقون في قول أكثر أهل العلم، وكان شريك بن عبد الله القاضي يعتقهم.
وذهب أهل الظاهر وبعض المتكلمين إلى أن الأب لا يعتق على الابن إذا ملكه واحتجوا بقوله: «لا يجزي ولد والده إلاّ أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» قالوا وإذا صح الشراء فقد ثبت الملك ولصاحب الملك التصرف، وحديث سمرة غير ثابت.

.ومن باب في أمهات الأولاد:

قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن قيس عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال: «بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه فلما كان عمر رضي الله عنه نهانا فانتهينا».
قال الشيخ: ذكر أبو داود في صدر هذا الباب حديثًا ليس إسناده بذاك.
قال: حَدَّثنا النفيلي عن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن خطاب بن صالح مولى الأنصار عن أمه عن سلامة بنت معقِل امرأة من قيس عيلان «أن عمها قدم بها المدينة في الجاهلية فباعها من الحُبَاب بن عمرو فولدت له عبد الرحمن بن الحباب.
قال الشيخ:، يَعني ثم هلك فأرادوا بيعها فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعتاقها وعوضهم منها غلامًا»
.
وذهب عامة أهل العلم إلى أن بيع أم الولد فاسد وإنما روي الخلاف عن علي رضي الله عنه فقط.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أنها تعتق في نصيب ولدها.
وقد روى حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين أنه قال لأبي معشر إني أتهمكم في كثير مما تروون عن علي رضي الله عنه لأني قال لي عبيدة بعث إليّ عليّ وإلى شريح يقول إني أبغض الاختلاف فاقضوا كما كنتم تقضون، يَعني في أم الولد حتى يكون للناس جماعة أو أموت كما مات صاحباي، قال فقتل علي رضي الله عنه قبل أن يكون للناس جماعة حدثونا بذلك عن علي بن عبد العزيز، عَن أبي النعمان عن حماد.
قلت: واختلاف الصحابة إذا ختم بالاتفاق وانقرض العصر عليه صار إجماعًا وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «نحن لا نورث ما تركنا صدقة».
وقد خلف صلى الله عليه وسلم أم ولده مارية فلو كانت مالًا لبيعت وصار ثمنها صدقة.
وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين الأولاد والأمهات وفي بيعهن تفريق بينهن وبين أولادهن، ووحدنا حكم الأولاد وحكم أمهاتهم في الحرية والرق، وإذا كان ولدها من سيدها حرًا دل على حرية الأم.
وقال بعض أهل العلم ويحتمل أن يكون هذا الفعل منهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يشعر بذلك لأنه أمر يقع نادرًا، وليست أمهات الأولاد كسائر الرقيق التي يتداولها الأملاك فيكثر بيعهن وشراؤهن فلا يخفى الأمر على العامة والخاصة في ذلك.
وقد يحتمل أن يكون ذلك مباحًا في العصر الأول ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك قبل خروجه من الدنيا ولم يعلم به أبو بكر رضي الله عنه لأن ذلك لم يحدث في أيامه لقصر مدتها ولاشتغاله بأمور الدين ومحاربة أهل الردة واستصلاح أهل الدعوة ثم بقي الأمر على ذلك في عصر عمر رضي الله عنه مدة من الزمان، ثم نهى عنه عمر حين بلغه ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهوا عنه والله أعلم.